اللاذقية-سانا
يوثق "معرض الخط العربي الأول" الذي انطلق قبل أيام في دار الثقافة في اللاذقية لمشهد ثقافي أكثر اتساعاً وتنوعاً على المستوى المحلي نظراً لما يوفره من خيارات فنية جديدة أمام المتلقين من عشاق الفنون التراثية بالإضافة إلى الأهمية التي تنطوي عليها الأعمال الخطية المعروضة وعددها ثمانون كنتاج إبداعي لثمانية عشر خطاطاً مشاركاً جميعهم من لجنة الخطاطين في اتحاد الحرفيين في المحافظة.
ويأتي المعرض الذي يكرم كلاً من الخطاط الراحل جواد زين الدين والخطاط أحمد ناصر في إطار جملة من نتائج الحملة الواسعة التي أقيمت على امتداد المحافظات السورية لتمكين اللغة العربية انطلاقاً من السمات الثقافية والفكرية التي يكرسها الخط العربي وتؤصل بدورها للهوية العربية والقومية كما في إبرازها للامتداد الحضاري العميق لأمة الضاد في سفر التاريخ الإنساني.
في هذا الإطار قال الفنان ناصر في تصريح خاص لسانا ان هذا التكريم يأتي في إطار التأكيد على سعي المؤسسة الثقافية لتقدير المبدعين ومعهم كافة الجهود المبذولة لإغناء التجربة الثقافية في سورية مشيراً إلى أن مشروعه الفني في مجال الخط العربي على مدى عقود من الزمن اعتمد من جهة على تطبيق الأساليب التقليدية في هذا الفن بالإضافة إلى إدخال ست خطوط جديدة بينها خط العماد والخط الفني ثلاثي الألوان.
ولفت ناصر إلى ضرورة تفعيل الاحتفاليات الفنية المماثلة ومضاعفة الاهتمام بهذا الفن نظرا لتراجع الإقبال عليه في السنوات الأخيرة إثر انتشار التقنيات الحديثة والتي أثرت بشكل مباشر على مهنة الخط العربي التي انحسر عدد ممارسيها مع مرور الأيام بسبب دخول التقنيات الحديثة و ما أثر سلبا في عملية التلقي والتواصل البصري في هذا الجانب.
وأثنى نجيب زين الدين نجل المكرم الراحل جواد زين الدين على هذه المبادرة مشيرا إلى أن والده و هو أول خطاط في المحافظة وصاحب السبق في وضع البذرة الأولى لهذه المهنة في اللاذقية قد عمل حتى وفاته في العام 2004 على إتقان وتأصيل جميع أنواع الخطوط التقليدية المعروفة كما استطاع تطوير المهنة ونشرها وتوريثها لكافة أفراد عائلته ممن يمارسونها حتى اليوم.
وأشار إياد ناصر رئيس اللجنة المنظمة للمعرض إلى أن هذه التظاهرة تتيح الفرصة أمام جموع الخطاطين في محافظة اللاذقية للالتقاء و تبادل الخبرات والمعارف وهو الأمر الذي يحدو باللجنة المنظمة للتخطيط والعمل في المرحلة اللاحقة على تأمين استمرارية المعرض ليقام دوريا كل عام بهدف لم شمل الخطاطين وتوسيع المشاركة مستقبلا لتشمل الخطاطين من مختلف المحافظات السورية.
وأضاف ناصر ان هذه الفعالية من شأنها النهوض بخبرات الفنانين في هذا الحقل و تحسين نوعية وجودة المنتج الخطي من الناحية الفنية مشيراً إلى أن الخطط السنوية المقبلة تتضمن نقل المعرض إلى عدد من المدارس في مختلف مدن القطر في محاولة للارتقاء بوعي الأجيال الجديدة بأهمية الخط العربي كفن أصيل وكحامل للفكر والثقافة العربية على أمل طرحه مستقبلا كمادة تدرس ضمن المناهج المدرسية والمعاهد والجامعات.
في السياق ذاته تحدث الخطاط زياد عروس عن مشاركته في المعرض من خلال ست لوحات فنية اعتمد فيها من الناحية التقنية على معالجة الورق المستعمل في أرضية اللوحة باستخدام مجموعة من المواد الطبيعية معتبراً أن هذا الأسلوب يمثل في جوهره تجذيرا للتقنية التراثية في رسم الخطوط العربية كونه الأقرب للطرق التقليدية التي اعتمدت قديما في تنفيذ الأعمال الفنية على اختلاف خطوطها.
وأوضح عروس أن موضوعات لوحاته جاءت كذلك لتنسجم مع المحتوى الفكري في اللوحة التراثية من خلال تناول الآيات القرآنية والأمثال الشعبية والحكم المأثورة في أعماله وبانتقاء الخط المناسب والألوان الأساسية لكل لوحة على حده بما يحقق معه المحتوى الموضوعي المراد إيصاله ويبرز في الوقت نفسه الإيحاءات والجماليات الفنية التي تشد المشاهد إلى خلق حوار بصري مع اللوحة.
من جهته أكد الخطاط عمر طه على أهمية توظيف الحرف العربي في اللوحة التشكيلية باستخدام تقنيات ومواد متنوعة تغني البعد البصري في كل منها مشيراً إلى أنه سعى في لوحاته الأربع المعروضة والتي اعتمد فيها على الرمل والإيكرليك إلى الخروج عن بعض القواعد التقليدية الصارمة في حيز الخط العربي في إطار محاولة تجريبية لاختبار قيم فنية و مناخات جمالية جديدة.
ولفت طه إلى أن الفنان يعمل من خلال صياغة الشكل النهائي لكل من أنواع الخطوط العربية على تلبية مجموعة من المتطلبات الفلسفية والتجريدية والفنية التي تستلزمها اللوحة على المستوى الفكري والتشكيلي موضحا أن الشكل الذي يتخذه الحرف العربي في كل عمل يؤثر بقوة على التقييم البصري لدى المتلقي خاصة في مجال الحروفيات حيث استثمار الحرف العربي كعنصر تشكيلي يغني اللوحة ويمنحها بعدا أكثر حداثة ومعاصرة.
كذلك جاءت الأعمال الفنية الأربعة للخطاطة إلهام عليا لتصوغ فضاءً جمالياً زاخراً بالرموز والتشكيلات والمنمنمات التي رأت بأنها تثري لوحاتها الفنية التي أنجزتها بطريقة الحفر بالسكين وطغت عليها الألوان الترابية ولاسيما أنها اعتمدت الخط الرقعي في كتابة الآيات القرآنية وهو خط يحتمل من وجهة نظرها الكثير من التشكيل والزخرفة مؤكدة أهمية تقصي مساحات إبداعية جديدة من قبل الفنان دون تغييب الشكل المقروء للحرف التزاماً بالمعنى المفهوم الذي طالما حملته اللوحة الخطية.
واعتبر الفنان محمد خضور أن كل هدف فني في اللوحة الخطية يبدأ من النقطة لذا فإن التقنية التي اعتمدها في عمله تعمل على ربط النقطة بالخط وهو نمط فني جديد في هذا الجانب لا ينأى بالضرورة عن القواعد التقليدية التي يشتغل وفقها مؤكداً ضرورة الالتزام بالخارطة التقليدية للخطوط العربية كونها الحجر الأساس في هذا الفن والذي يساعد على تقديم لوحة مفهومة للمتلقي كون التشكيل يحتاج لقدرة عالية على الإدراك والتلقي دون نفي إمكانية استحداث تقنيات جديدة تغني الأساليب التقليدية المتداولة.
رنا رفعت-ياسمين كروم