لم يكن عمار بن ياسر صحابيا عاديا، فهو ابن الشهداء، أمه سمية أول امرأة يراق دمها من أجل عقيدة تتمسك بها، وأبوه ياسر شهيد آخر من شهداء الراي والمُعتقد ..
بيد أن تفرد عمار بين الصحابة، كان وقت الفتنة التي جرت بين طرفين من المسلمين، الإمام علي بن أبي طالب من جهة، ومعاوية بن ابي سفيان من جهة أخرى، وسبب تفرد الصحابي الجليل، جاء بسبب نبوءة من النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه ستقتله الفئة الباغية ..
فكانت الأنظار تتجه إلى عمار وتنظر إلى أي فئة سيكون ..
وكانت رؤيته ـ رضي الله عنه ـ أن ينضم لمناصري الإمام علي رضي الله عنه، وكانت معركة صفين، فنزل الصحابي الجليل إلى أرض المعركة حاملا سيفه، بيد أن المفاجأة أن لا احد من جيش معاوية أراد أن يمس عمار بسوء، فمقولة النبي " ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار" تتردد في أذهانهم جميعا ...
الكل يهرب من أمامه .. يتجنب أن يمسسه بسيفه مخافة أن تصيبه لعنة النبي عليه الصلاة والسلام ..
بيد أن أحدهم رفع سيفه وقتل عمار .. ووقع الرجل شهيدا ليلحق بركب الشهداء المبارك ..
لكن جيش معاوية انقلب عليه، فسقوط عمار كان مؤشرا لا يقبل الشك على أنهم في المعسكر الخاطئ، المعسكر الباغي الظالم، وقرر البعض أن يذهبوا إلى المعسكر الآخر، وقرر الكثيرين أن يعتزلوا الحرب برمتها ..
بيد أن معاوية ـ أدهى دهاة العرب ـ خرج عليهم ممتطيا فرسه قائلا : ماذا بكم، عودوا إلى الصفوف إننا لم نقتل عمارا، بل قتله من أخرجوه !!! .
قتله من سهل عليه القتال، وخدعه، وأراه أن الحق معه !.
وبالفعل عادت الفلول المضطربة مرة ثانية إلى جيش معاوية، واستطاع الداهية الذكي أن يستعيد زمام الموقف !.
لقد انطلى ذكاء معاوية على جيشه وأتباعه، بيد أنها لم تنطلي على التاريخ ..
ويعود الزمان، وتتكرر المواقف، أتباع عمار في الميدان، ينافحون عن كرامتهم، وحقوقهم، ومبادئهم ..
[SIZE="4"]والطرف الآخر يجردهم من الحق الذين يملكون بالحديث عن أصابع خفية، وجهات أجنبية، ومنظمات ذات أهداف وأجندات معادية .
[/SIZE]
[SIZE="4"]لم يتحدث عن نقطة دم واحد مما أريقت في ميدان المعركة، برغم كونها دماء زكية مباركة شريفة، مُلمحا إلى أن من يتحمل هذه الدماء من أخرجوا هؤلاء الشباب من بيوتهم ..
[/SIZE]
أي أن من قتلهم هو .. من أخرجهم ..
لقد آمنت طوال عمري بأن الغوغاء لا ينصرون قضية، والجماهير تصفق فقط للمنتصر، والدهماء هم من يُحركون العامة، ولذلك لم أتعجب من انقلاب الصورة في بعض الأماكن، خصوصا بعد التلويح بورقة لقمة العيش ...
إن التاريخ لا تنطلي عليه الأكاذيب، خصوصا عندما يُكتب بالدم .
سيكتب التاريخ أن من أخرجنا هو البحث عن الكرامة .. هو البحث عن انفراجة نمر منها ـ ومعنا بلدنا ـ من ظلام القهر والاستعباد إلى نور الحرية .
سيكتب التاريخ أننا نحن من استعدنا الحق المسلوب، والكرامة التي أضاعها آباء قليلي الحيلة
[SIZE="5"]سيكتب التاريخ أن المركب الذي تسلمناه وقد اوشك على الغرق قد استعاد قيادته شباب صغار في السن كبار في القامة، برغم قسوة الأعاصير وهياج وجنون البحر .
[/SIZE]
فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله
وحسبنا الله .. وهو نعم الوكيل
منقول